العالم أفضل بكثير. العالم بَشِع. العالم يمكن أن يكون أفضل بكثير.
كتابة: Max Roser - نُشرت في 22 أغسطس 2022
ترجمة: رغد شربجي - بتاريخ 29-12-2023
نُشر في Our World in Data.
العالم أفضل بكثير. العالم بَشِع. بإمكان العالم أن يكون أفضل بكثير. جميع هذه العبارات الثلاث صحيحة تمامًا. سنركّز في هذا المقال على قضيَّة وفيات الأطفال، لكن ينطبق كل ما سنتناوله على العديد من جوانب التنمية العالمية. حيث يوجد العديد من الجوانب التي قد تحسنت مع الوقت ولكنها لا تزال بحاجة للتطوير والعمل عليها.
العالم بَشِع
في الصورة أدناه، أعرض ثلاثة سيناريوهات لوفيات الأطفال. يمثل الشريط الأزرق العدد الفعلي لوفيات الأطفال في العام الواحد اليوم. فمن بين 141 مليون طفل يولدون كل عام، يموت 3.9% قبل بلوغهم سن الخامسة. وهذا يعني وفاة 5.5 مليون طفل سنويًّا، أي وفاة 15,000 طفل يوميًّا في المتوسط.1
ومن الواضح أن العالم الذي تحدث فيه أمور كهذه يعتبر مكانًا مخيفًا.
العالم أفضل بكثير
يعلمنا التاريخ درسًا مهمًّا، وهو أنَّ الأمور تتغير. ولكن من الصعب إدراك حجم هذه التغيُّرات. فظروف المعيشة في أفقر دول العالم اليوم أفضل بكثير من نواحٍ عديدة مما كانت عليه في أغنى دول العالم في العصور السابقة: ففي أسوأ الأماكن اليوم، تتراوح وفيات الأطفال بين 10-13%، في حين أنها كانت أكثر بثلاثة أضعاف في باقي أنحاء العالم [30-50%] حتى أجيالٍ قليلةٍ مضت. وتشير التقديرات إلى أنه في بداية القرن التاسع عشر، توفي 43% من أطفال العالم قبل سن الخامسة. فلو كنا لا نزال نعاني الأحوال الصحية الرديئة لأجدادنا لليوم، سيموت أكثر من 60 مليون طفل كل عام، أي 166 ألف طفل كل يوم.2
هذا ما يمثله الشريط الأحمر في الصورة أدناه.
إذا كنت ترغب في معرفة كيفية تغيُّر نسب وفيات الأطفال، ننصحك بقراءة مقال هانَّه ريتشي (Hannah Ritchie) التالي: From commonplace to rarer tragedy — declining child mortality across the world
لا تقتصر هذه التحسينات الكبيرة على الصحة فقط؛ بل تنطبق على جوانب أخرى من الحياة أيضًا (كما أشرت في تاريخي المختصر لظروف المعيشة).فقد حققنا تقدمًا كبيرًا للغاية في عدَّة جوانب أساسية (ليس جميعها بالطبع) ونعلم أنَّه يمكننا فعل المزيد. تشمل هذه الجوانب التعليم والحرية السياسية والعنف والفقر والتغذية وبعض جوانب التغيير البيئي.
ما نتعلمه من هذا هو أنَّ تغيير العالم أمرٌ ممكن. أعتقد أنّ إحدى أهم الحقائق التي يجب معرفتها عن عالمنا هي إمكانيَّة تغييره وإحداث فرق فيه.
(يمكنك رؤية نسخةٍ أكبر من الصورة هنا)
العالم يمكن أن يكون أفضل بكثير
يُظهر التقدُّم الحاصل على مرَّ السنوات الماضية بأنَّ التغيير أمرٌ ممكن الحدوث. ولكن ماذا نعرف عن ما هو ممكن في المستقبل؟ هل وُلدنا في وقت سيئ من التاريخ الحديث، حيث توقَّف التقدم العالمي مثلًا؟
تشير دراسة البيانات العالمية إلى أنَّ هذا غير صحيح. وإحدى الطرق للتأكُّد من ذلك، هي مراقبة الأماكن التي تتمتع بأفضل الظروف المعيشية في العالم. يُظهر التفاوت في ظروف المعيشة في عالمنا اليوم أنَّ الكثير من العمل الذي يتعيَّن علينا القيام به لا يزال موجودًا. إذا كانت الصحة متساوية في جميع دول العالم، فلن يكون بالإمكان معرفة ما إن كانت هناك تحسينات ممكنة أخرى أم لا وكيفية تحقيقها. ولكن حقيقة تحقيق بعض الأماكن صحَّةً أفضل لأطفالها بالفعل، لا تدع مجالاً للشك: صحة الأطفال الأفضل من المتوسط العالمي ليست مجرد احتمال بل حقيقة واقعة بالفعل.
إذن ما الذي سيكون عليه معدّل وفيات الأطفال عالميًّا إذا أصبح الأطفال في جميع أنحاء العالم في وضع مماثلٍ لوضع الأطفال الذين يعيشون في تلك الأماكن التي يتمتع فيها الأطفال بأعلى مستويات الصحة اليوم؟
يُظهر الشريط الأخضر الداكن في الصورة أعلاه الإجابة. فالمنطقة التي تحتوي على أدنى وفيات الأطفال هي الاتحاد الأوروبي. ويُعد المتوسط فيها (0.41%) أقل بعشر مرات من المتوسط العالمي (3.9%).
في الاتحاد الأوروبي، يموت طفل واحد من بين كل 250 طفلًا، بينما يبلغ الرقم عالميًا واحدًا من كل 25. وإذا كان أطفال العالم في وضع جيد مثل أطفال الاتحاد الأوروبي، فستنخفض الوفيات بخمسة ملايين طفل كل عام.
بالطبع، فإن معدّل وفيات الأطفال البالغ واحد من كل 250 لا يزال رقمًا مرتفعًا للغاية. ولكن سيكون إنجازًا كبيرًا إن تمكّن العالم ككل من اللحاق بذلك المستوى من الصحة، وفي المقابل يجب محاولة تقليل هذا العدد في الأماكن المتمتِّعة بمستوياتٍ عالية من صحة، وتوسيع حدود ما ثبت أنه ممكن.
علينا بالتأكيد ألا نقع في خطأ الاعتقاد بأن خفض معدل وفيات الأطفال عالميًّا إلى مستواه في الاتحاد الأوروبي سيكون أمرًا يسيرًا . ولتحقيق مجتمعٍ يتمتع بهذا المستوى الجيد من الصحة، يجب تحسين العديد من جوانب التنمية؛ فالدول المتمتعة اليوم بأفضل مستوياتٍ صحيَّة، لديها حصيلة قرنين من النمو الاقتصادي البطيء والمستدام الذي سمح لها بتوفير البنية التحتيَّة اللازمة (السكن، والصرف الصحي، ومستلزمات الصحة العامة) لضمان صحة أفضل.
ولكن بينما لا يمكن تحقيق عالم أفضل بين عشيَّة وضحاها، فإننا نتعلم ما هو ممكن من المناطق الأفضل حالًا؛ وبهذا المعنى، نعلم أنه يمكن الوقاية من الوفيات السنوية إلى درجة 5 ملايين حالة. وحقيقة أن معدل وفيات الأطفال في مناطق كاملة من العالم أقل بعشر مرات من المعدل العالمي تُظهر لنا أنه من الممكن جعل العالم مكانًا أفضل.
العالم بَشِع؛ السبب الذي يجعلنا بحاجة إلى معرفة قصص التغيير الإيجابي.
من الأسهل تخويف الناس بدلاً من غرس الثقة فيهم. يتناول العديد من كتَّاب التنمية العالمية الحديث عن مدى فظاعة هذا العالم. وأوافق على أهميَّة معرفة ما يعاني منه العالم الآن، لكن نظرًا لحجم ما حققناه بالفعل وما هو ممكن في المستقبل، أعتقد أنه من غير المسؤول الاقتصار على مدى سوء وضعنا فقط.
العالم أفضل بكثير. العالم بَشِع. يمكن للعالم أن يكون أفضل بكثير. يتعين علينا دراسة البيانات لمعرفة وجهات النظر الثلاث حول ظروف المعيشة العالمية. وعندما نفعل هذا، فإنه من المستحيل أن تخطئها العين. لكن حقائق كيفيَّة تغيير العالم غير معروفة لمعظمنا، وذلك لأن العديد من الكتَّاب الذين يتحدثون عن النحو الذي يتغير به العالم لا يأخذون البيانات على محمل الجد. وهو أمرٌ يجب علينا تغييره.
ما يتعيَّن علينا تحقيقه ككتَّاب حول التغيير العالمي هو نقل المنظورين في آنٍ واحد: نحتاج إلى معرفة مدى البشاعة التي ما زال العالم عليها وأنَّه من الممكن خلق عالم أفضل. وهذا ما أرجو القيام به هنا.
إن كنا قد حققنا أفضل ما يمكن تحقيقه في العالم، لما قضيت حياتي في الكتابة وإجراء البحوث حول كيفية وصولنا إلى هنا. ما يدفعني إلى الاستمرار هو مشاركة المعرفة بأن التغيير ممكن -وإن لم يكن حتميًّا-، والثروة المعرفية التي اكتسبها الباحثون في جميع أنحاء العالم حول كيفية جعل العالم مكانًا أفضل للجميع.
نحن نعلم أنَّه من الممكن جعل العالم مكانًا أفضل وهذا لأننا حقَّقنا ذلك بالفعل. ولأن العالم لا يزال بَشِعًا، فمن المهم جدًا الكتابة عن الطُّرق التي جعلت العالم مكانًا أفضل من نواح مختلفة لتطبيقها.
الهوامش
1. حالات وفيات الأطفال خلال عام 2017: 140.95 * (3.9/100)=5.497,050. هذا يعني 5,497,050/365.25=15,050 حالة وفاة للأطفال يوميًا. نفترض هنا أن جميع فئات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام متساوية العدد. وبما أن معدَّل المواليد في العام لم يعد يرتفع كثيرًا، يبدو هذا تقريبًا صحيحًا يجعل الحساب مباشرًا.
2. لا نعرف عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم بالفعل في ذلك الوقت لأننا لا نمتلك تقديراتٍ لعدد المواليد في جميع أنحاء العالم في تلك الفترة. لدينا تقديرات لكل من عدد المواليد ومعدل الوفيات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وتُظهِر السجلات أن حوالي 20 مليون طفل كانوا يموتون كل عام. اطلع على البيانات الموضحة هنا.