افصل بين النشوة العاطفية والنفع الفعلي

كتابة: Eliezer Yudkowsky - النشر بتاريخ 27 ديسمبر 2019

ترجمة: إيمان وجيه - بتاريخ 31.12.2023


بالأمس:

هناك لغز/ملاحظة قديمة جدًّا في الاقتصاد حول قصة المحامي الذي يقضي ساعة من وقته متطوعًا للعمل في مطاعم الفقراء، بدلًا من العمل ساعة إضافية في مهنته والتبرع بهذا المال لتوظيف شخص أخر. إذا كان المحامي بحاجة إلى العمل في مطعم الفقراء ليحتفظ بحماسه إزاء فكرة الإحسان وليذكِّر نفسه بالدافع وراء عمله هذا، فلا بأس بذلك. لكن ينبغي عليه أيضًا أن يتبرع بجزء مما كسبه من أموال من عمله كمحامٍ، لأن هذه هي قوة التخصص المهني وهي الطريقة التي تُنجز بها الأمور. يمكن اعتبار مبلغ التبرع بمثابة شراء حق التطوع في مطعم الفقراء، أو لتبرير جدوى الوقت الذي قضاه هناك.

عادة ما أفتح الأبواب للسيدات العجائز. لا أتذكر تحديدًا آخر مرة حدث فيها ذلك (ولكني متأكد أن آخر مرة كانت في العام الماضي تقريبًا). ولكن في غضون الشهر الماضي، كنت أتجول عندما اكتشفت وجود سيارة مركونة في ممر وصندوقها مفتوح بالكامل، مما يعطي صلاحية كاملة لأي شخص للدخول إلى السيارة. نظرت بداخلها للتأكد من وجود أي أمتعة قد أُخرِجت، لكن لم أجد أي شيئ. نظرت حولي لأرى إن كان هناك أي شخص يحاول الاقتراب من السيارة. وأخيرًا اتجهت إلى المنزل الذي أمامي وطرقت الباب، ثم قرعت الجرس. و تأكدت شكوكي، لقد تركوا صندوق السيارة مفتوحًا عن طريق الخطأ.

في ظروف أخرى، سيُعتبر عملي هذا من باب الإحسان، والذي قد يدل على الحرص الحقيقي بعافية شخص آخر، أو خوفي من الشعور بالذنب إن تقاعست، أو رغبة في إثبات أني شخص جدير بالثقة لنفسي وللآخرين، أو لكون الإحسان عملًا ممتعًا. أرى أن جميعها محفزات مشروعة تمامًا، قد أثني على السبب الأول، ولكن لن أعترض على الأسباب الأخرى. طالما استمرت مساعدةُ الناس.

ولكن في حالتي، بما أنني أعمل في منظمة غير ربحية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كنت أستطيع توظيف نفس الستين ثانية بطريقة أكثر تخصصًا لمجالي، لتحقيق فائدة أكبر للآخرين. وهذا يعني: هل يمكنني حقًّا الدفاع عن ما قمت به بكونه الاستغلال الأمثل لوقتي، بالنظر إلى الأمور الأخرى التي أدَّعي الإيمان بها؟

الدفاع الأكثر وضوحًا -أو العقلنة الأوضح، ربما- هو أن هذا الفعل الإحساني بمثابة مستعيد/شاحن لقوة الإرادة، وهو أكثر كفاءة بكثير من الاستماع إلى الموسيقى على سبيل المثال. كما أنني لا أثق في قدرتي على أن أكون محسنًا من الناحية النظرية فقط؛ لأنني أشك في أنني لو تجاهلت المشكلات فإن إيماني بالإحسان سيبدأ في التلاشي. ولكني لم أختبر مدى صحة شكوكي بطريقة متطرفة؛ لأن هذا أمر لا يستحق المخاطرة.

ولكن إذا كان هذا تبريري للموقف، فلا أظن أنه يمكن الدفاع عن عملي باعتباره عملاً صالحًا، أليس كذلك؟ نظرًا لأن فوائده التي ذكرتها كنت أنا المستفيد المباشر منها.

وليكن، من قال إنني كنت أدافع عن هذا الفعل باعتباره عملاً صالحًا غير أناني؟ إنه عمل صالح أناني. فإذا ساعد في استعادة قوة إرادتي، أو مكنني من الاحتفاظ بإيماني بالإحسان، سينتفع الآخرون أيضًا بطرق غير مباشرة (أو هكذا أظن). يمكنك بالطبع الرد على هذه الحجة بأنك لا تثق في الأفعال الأنانية التي من المفترض أن تعود بالنفع على الآخرين باعتبارها «دافعًا خفيًّا». ولكن يمكنني بنفس السهولة الرد بأنه، وفقًا لنفس المبدأ، ينبغي عليك فقط النظر مباشرةً إلى العمل الصالح بالأساس بدلًا من دوافعه الخفية التي تفترضها.

هل يمكنني الإفلات من الاتهامات بهذا الرد؟ وهذا يعني، هل يمكنني حقًا أن أفلت من خلال وصفه بأنه «عمل صالح أناني»، وما زال يمكّنني من استعادة قوة الإرادة، بدلاً من الشعور بالذنب لكونه فعلًا أنانيًّا؟ يبدو هذا ممكنًا. أنا مندهش أن الأمور تسير بهذه الطريقة، لكنها كذلك. طالما طرقت الباب لأخبرهم عن صندوق السيارة المفتوح، وطالما يقول أحدهم «شكرًا لك!»، فإن عقلي يشعر وكأنه أتمّ واجبه الخيري لهذا اليوم.

قد لا تتفق معي، بطبيعة الحال. المشكلة في محاولة ممارسة فن استعادة قوة الإرادة هي أن الأمور المختلفة تبدو وكأنها تعمل لصالح أشخاص مختلفين. (أي: أننا نسبر أغوار المستوى السطحي للظواهر دون فهم القواعد الأعمق التي يمكنها أيضًا التنبؤ بالاختلافات.)

لكن إذا اكتشفت أنك تتفق معي في هذا الجانب -أي أن الأعمال الصالحة الأنانية لا تزال مفيدة- فإنني أنصحك بالفصل بين استجابتك العاطفية جراء القيام بعمل ما، والمنافع المتحققة من هذا العمل. محاولة فعل الأمرين في نفس الوقت يعني أنك قد لا تتمكن من تحقيقهما جيِّدًا. إذا كانت المكانة الاجتماعية أمر مهم بالنسبة لك، فأنصحك بفصلها أيضًا.

إذا كنت في وضع يسمح لي بإعطاء نصيحة لملياردير جديد في عالم الأعمال الخيرية، فإن نصيحتي ستكون كالتالي:

  • إذا أردت تحقيق استجابة عاطفية مبهجة، ابحث عن امرأة مجتهدة ولكنها تعاني من الفقر وعلى وشك ترك جامعتها الحكومية بسبب تقليص ساعات عمل زوجها، وأعطها شخصيًّا، ولكن دون الكشف عن هويتك، شيكًا بنكيًّا بقيمة 10,000 دولار. كرر الأمر حسب رغبتك.
  • إذا أردت تحقيق مكانة اجتماعية وسط أصدقائك، تبرع بمبلغ 100,000 دولار لمؤسسة Xprize، أو أي جمعية خيرية أخرى قد يبدو لك أنها تقدم أفضل الأنشطة بأقل سعر، اصنع ضجة كبيرة حول تبرعك هذا، واحضر لقاءاتهم الصحفية، وتفاخر بهذا الأمر على مدار الخمس سنوات المقبلة.
  • بعد ذلك -باستخدام الحسابات الباردة تمامًا- ودون وضع أي اعتبار لتبلُّد النطاق (Scope Insensitivity) أو تجنب الغموض، ودون الاهتمام بالمكانة الاجتماعية أو الاستجابة العاطفية- اكتشف بعض المخططات الشائعة لتحويل نتائج تلك الأعمال إلى أكبر قدر من المنافع. وكمحاولة للتعبير عن عدم اليقين في نسبة الاحتمالات، ابحث عن المؤسسة الخيرية التي تقدم أكبر منفعة مقابل كل دولار تتبرع به. تبرع بالمبلغ الذي تريده لتلك الجمعية الخيرية، حتى تنخفض كفاءتها الهامشية إلى أقل من المؤسسة الخيرية التالية في القائمة.

علاوةً على ذلك، أود أن أنصح أولئك المليارديرات بوجوب إنفاق أموالهم على ما يحقق المنافع بأكثر من 20 ضعفًا على الأقل مما ينفقونه على ما يحقق لهم استجابة عاطفية، حيث أن إنفاق 5% من نفقاتك العامة للحفاظ على كونك محسنًا يبدو رقمًا معقولًا، وعن نفسي، بصفتي مستشارك المحايد في أحكامه، ليس لدي أي مشكلة في الإنفاق على ما يحقق هذه الضجة والاستجابات العاطفية مقابل إنفاق أضعافه على المنافع. بشرط أن يكون العمل الأصلي الذي يحقق هذه الاستجابة العاطفية مفيدًا بالفعل وليس ضارًّا.

(بالنسبة لي، يبدو الاهتمام بالمكانة الاجتماعية غير مرتبط بالإحسان. إذا كان تبرعك بالمال لمنظمة X-Prize يثير إعجاب أصدقائك أكثر من شراء قارب سريع بسعر مماثل، فليس هناك أي أسباب تدفعك لشراء هذا القارب. ضع فقط في اعتبارك أنك تنفق هذه الأموال لإثارة إعجاب أصدقائك وليس من باب الإحسان.)

لكن الدرس الرئيس هو أن هذه الأمور الثلاثة – الاستجابات العاطفية، والمكانة الاجتماعية، والمنافع المتوقعة – يمكن تحقيقها بفعالية أكبر بكثير عند الفصل بينها، من خلال الاستخدام الأمثل لأي واحدة منها في كل مرة على حدة. إن كتابة شيك بمبلغ 10,000,000 دولار أمريكي لجمعية خيرية لمكافحة سرطان الثدي -في حين أنه أمر يستحق الثناء أكثر بكثير من إنفاق نفس المبلغ على حفلة ما- لن يمنحك النشوة المركزة المتمثلة في أن تشهد بعينيك كيف أن أعمالك قد حوّلت من حياة شخص واحد على نحو هائل، ولا يوجد حتى تقارب بين الشعورين. كما أنك على الأرجح لن تتمكن من التفاخر بتبرعك في الحفلات مثل تبرعك لشيء مثير مثل X-Prize -قد تحصل فقط على بعض الثناء البسيط من الأثرياء الآخرين. وإذا استطعت ألا تعطي اهتمامًا كبيرًا للاستجابات العاطفية والمكانة الاجتماعية، فربما تجد آلاف الجمعيات الخيرية على الأقل التي تتعرض للإهمال بالرغم من تحقيقها أكبر قدر من المنافع بعشرة ملايين دولار. إنَّ محاولة تحقيق الثلاثة أمور معًا دفعة واحدة ستؤدي إلى عدم تحقيق أيّ منها بصورة جيدة، بل مجرد تخبط بينها.

وبالطبع، إذا لم تكن مليونيرًا أو حتى مليارديرًا، فلن تكون فعّالًا بنفس القدر، وكذلك لن تكون قادرًا على التبرع بمبلغ ضخم. ولكن ما أنصح به هو -إذا أردت تحقيق الاستجابة العاطفية، اعثر على منظمة خيرية غير مكلفة ولديها منتفعين أذكياء وحيويين والأفضل أيضًا أن يكونوا مباشرين وتتمكن من لقائهم شخصيًا. تطوع للعمل في مطعم الفقراء. أو مجرد فتح الباب للسيدات العجائز. وعزز جهودك بجهود أخرى تحقق منفعة، ولكن لا تخلط بين العاطفة والمنفعة. أما بالنسبة للمكانة الاجتماعية فيكفيك مجرد شراء ملابس جيدة.

أما فيما يتعلق بما يحقق المنفعة الحقيقية، فبطبيعة الحال؛ عليك أن تغلق فمك وتضاعف إسهامك.


رابط المقالة المترجمة

التعليقات