أربع أفكارٍ تتفق معها بالفعل

كتابة: Sam Deere

ترجمة: رغد شربجي

تاريخ الترجمة: 26-12-2023


إليك أربع أفكار تتفق معها بالفعل. ثلاثة منها تتعلق بقيمك الشخصيّة، وأمّا الرابعة فتتمحور حول رؤيتنا للعالم. قد تبدو كل منها مبتذلة أو غنيةً عن البيان، لكن عند دمجها معًا، قد يكون لها عواقب كبيرة على طريقة تفكيرنا في تطبيق الخير في هذا العالم.

نساء في أوغندا يحملن رزمًا من الناموسيات المعالَجة بالمبيدات الحشرية والتي قدمتها مؤسسة مكافحة الملاريا (Against Malaria Foundation)، وهي إحدى الجمعيات الخيرية المتصدرة ضمن توصيات مؤسسة Giving What We Can.

إليك الأفكار الأربع:

  1. من المهم مساعدة الآخرين - نعتقد غالبًا أنّ علينا مساعدة من هم بحاجة لمساعدتنا، عندما نكون قادرين على ذلك. وفي بعض الأحيان نعتقد أنَّه واجبٌ أخلاقي: لدى أغلب الأشخاص اعتقادٌ بأن أصحاب الملايين يجب أن يردوا شيئًا من كونهم أغنياء. ولكن قد تفاجئك معرفة أن أولئك -وقد نكون منهم- ممّن هم عند أو أعلى من مستوى وسيط الأجور في بلد غني، على الأغلب ينتمون إلى أغنى  5% من سكان العالم1 - وربما يمكننا  أيضًا تحمل تكلفة العطاء كما الأغنياء تمامًا.
  2. الناس متساوون2 - كلُّ شخص له حقٌّ متساوٍ في أن يكون سعيدًا وصحِّيًا وراضيًا وحرًّا، بغض النظر عن ظروفه. كل الناس مهمون، أينما كانوا يعيشون، وبغض النظر عن مدى ثرائهم، وعرقهم وأعمارهم وجنسهم وقدرتهم ومعتقداتهم الدينية وما إلى ذلك.
  3. مساعدةُ عدد أكبر خيرٌ من مساعدةِ عدد أقل - إذا كانت جميع الظروف متساوية، فإنّه ينبغي علينا إنقاذ أكبر عدد من الأرواح، ومساعدة الناس لعيش حياة أطول، وجعل المزيد منهم أكثر سعادة. تخيل معي عشرين مريضًا يصطفون في جناح المستشفى، وأنّهم سيموتون إن لم تعطهم الدواء. ولديك ما يكفي من الدواء للجميع، ولا يوجد سبب للاحتفاظ به لوقت لاحق: هل سيختار أي شخص حقًّا إنقاذ بعض الأشخاص فقط إذا كان من السهل إنقاذهم جميعًا؟
  4. مواردنا محدودة - حتى أصحاب الملايين لديهم مبلغ محدود من المال يمكنهم إنفاقه. هذا ينطبق أيضًا على وقتنا - فنحن لا نملك ما يكفي من الساعات في اليوم. حيث يُعد اختيار إنفاق الأموال أو الوقت على أمرٍ واحدٍ اختيارًا ضمنيًّا بعدم إنفاقه على خيارات أخرى (سواء كنا نفكر في هذه الخيارات أم لا).

أرى أن هذه الأفكار الأربع كلها غير مثيرة للجدل إلى حدٍّ كبير. من البديهي أن نساعد المحتاجين بقدر استطاعتنا؛ كما أنه لا ينبغي لنا تفضيل بعض المجموعات من الناس على حساب مجموعات أخرى تعسُّفيًّا؛ وأننا نفضّل مساعدة المزيد من الناس إن أتيحت لنا الفرصة؛ وأنه لا يوجد لدينا مال ووقت لا نهائي.

في الواقع، أود الذهاب معك إلى أبعد من ذلك - وأقول أننا سنشعر بعدم ارتياحٍ كبير عند محاولة الدفاع عن الرؤى المعارضة  إذا ما كنا نتحدث إلى شخص ما، وعلى وجه التحديد:

  • أنّ مساعدة الأشخاص المحتاجين ليست واجبًا أخلاقيًّا، ولا مهمة ولا حتى خيِّرة إلى هذا الحد.
  • أنّه لا بأس بالانحياز في تقدير الأشخاص بناءً على اختلافات تعسفية مثل العرق والجنس والقدرة وما إلى ذلك.
  • أن موت بعض الناس غير مهم حتى لو لم يكلفنا إنقاذ حياتهم  أي شيء إضافي.
  • أنّ لدينا موارد غير محدودة.

هل ترى ما أعنيه؟

إنّنا لا نملك أموالًا غير محدودة، لذلك نحتاج دائمًا إلى اختيار القضية الجديرة بالدعم.

إذن إذا اتفقنا على أن هذه الأفكار الأربع تجسّد قيمًا مهمة -وأعتقد أنها كذلك- فإن لذلك تداعيات كبيرة على الكيفية التي يُفترض بنا التفكير بها في فعل الخير. في الواقع، هذا يعني أن الطريقة التي نفكر بها عادةً في فعل الخير خاطئة.

ولكي نكون متسقين مع هذه القيم، نحتاج إلى التفكير في كيفية مساعدة أكبر عدد ممكن من الأشخاص بمواردنا المحدودة هذه.

ويعتبر هذا مهمًّا وذلك لوجود بعض القضايا التي يمكن أن نحقق فيها تأثيرًا كبيرًا مقابل مبلغ ضئيل من المال. في الواقع، فإن أفضل الخيارات تعدّ أفضل بكثير جدًّا من الخيارات المتوسطة - وأحيانًا تكون أفضل مئات المرات. قد يعني ذلك الفرق بين مساعدة شخص واحد ومساعدة مئات الأشخاص مقابل نفس مقدار الوقت أو المال تمامًا.

ولأنّ الجمعية الخيرية المختارة عشوائيًّا قد لا تُحدِث بكل تأكيد أثرًا كبيرًا مثل الجمعيات الخيرية الأكثر فعالية (ودعونا نواجه الأمر ونناقشه، فإن العديد من القضايا التي نختار دعمها تميل لكونها نتيجةً إما للصدفة العشوائية أو لعوامل ممنهجة تعني أننا معرضون فقط لقضايا معيّنة بعينها).

وهذا أمرٌ بالغ الأهميّة، لأنه إن لم نختر جيدًا، فلن نعطي الناس اعتبارًا متساويًا (أي التمييز بصورة ضمنية ضد بعض المجموعات من الناس)، أو أننا لن نستطع مساعدة أكبر عدد في إمكاننا مساعدته من الناس (أي السماح لأشخاص إضافيين بالمعاناة أو الموت، حتى لو كان بإمكاننا مساعدتهم).

لذا، لنتفق بدايةً على أحقّية جميع القضايا -من أبحاث السرطان إلى العدالة المناخية مرورًا بملاجئ الحيوانات إلى الوقاية من الأمراض سهلة العلاج ولكنها صعبة النطق والتي غالبًا تكون في أماكن لن نزورها أبدًا- فيجب على جميعها أن يكون مطروحًا على الطاولة... إلا أننا نرى أيضًا أهميّة مساعدة أكبر قدرٍ من الأشخاص مع إدراكنا بعدم توفّر الموارد الكافية لمساعدة الجميع. لذلك يجب أن نركز أولاً على القضايا التي يمكننا فيها مساعدة أكبر عدد من الأشخاص من خلال وقتنا ومالنا المحدودين، وليس فقط على تلك التي سبق أن سمعنا بها.

قد يكون طلب أن تكون حياديًّا اتجاه قضيّة ما أمرًا صعبًا للغاية. فمعظم الأشخاص لديهم تجارب شخصية قاسية مع الفقدان: لقد فقدت اثنين من أقاربي بسبب سرطان الدم؛ شاهدت المرض يلتهم أجسادهم وأدوية مسكنة للآلام تشوّش عقولهم؛ عشت الحزن المشترك لوفاتهم. ومن المنطقيّ تمامًا في مثل هذه الحالات أن نتبرّع للمنظّمات التي تحاول حل المشكلات المرتبطة بنا أو علاج المرض الذي سرق منا أحباءنا. نحن كائنات عاطفيّة بطبيعتها، وعادةً ما نريد تجنّب رؤية الآخرين يعانون نفس معاناتنا أو أن يختبر أحباؤهم نفس الحزن.

ولكن إذا ما كنّا نهتم بمعاملة الناس بالتساوي، فيجب أن نهتم أيضًا بمعاملة تجاربهم على ذات القدر من المساواة أيضًا. لا يوجد سببٌ وجيهٌ لأن أُفَضِّل تجنب الموت والإعاقة والمعاناة الناجمة عن مرض معين (مثل سرطان الدم) أكثر ممّا أهتم بالمعاناة الناتجة عن الملاريا أو السل أو حوادث المرور أو أي شيء آخر مثلًا. ما يهم  هو أن الأرواح تُزهق، والآباء يحرمون من أطفالهم، والناس يعيشون في ألمهم. إن الاهتمام بالمساواة معناه التعامل مع جميع حالات الوفاة والمعاناة باعتبارها مأساة واحدة، وليس فقط تلك التي تسببها أمراض معينة، وضعتها أمام أعيننا تقلبات الدهر القاسية، لنلاحظها. 

إن اتّخاذ مثل تلك القرارات أمرٌ في غاية الصعوبة ولكن يمكننا استخدام مجموعةٍ من أدوات التفكير  لمساعدتنا في ذلك. وتُسمى طريقة التفكير هذه بالإحسان الفعال. إنها بالأساس مماثلة للإحسان العادي (وذلك في أنها تؤكد على أهمية مساعدة الآخرين) - وأمّا عن كلمة «الفعال» فهي محاولة التفكير بوضوح في كيفية توظيف أفعالك لمساعدة أكبر عدد من الأشخاص أو تحقيق أكبر قدر من الخير.

أرى أن الإحسان الفعال وسيلة نستخدمها لنكون قادرين على العيْش وفقًا للقيم التي نحملها بالفعل.

يمكن تطبيق طريقة التفكير هذه على أيّ وسيلة قد نرغب في فعل الخير من خلالها -سواء كانت من خلال الحثّ على تغييرٍ سياسي أو اختيار المكان الذي نتبرع له بأموالنا أو كيفية إحداث أثر كبير من خلال أعمالنا المهنية.

 وفي عالمٍ توجد به العديد من القضايا التي تستحق العمل من أجلها، فإنه يوفر لنا مخرجًا من صعوبة اتخاذ القرار، وذلك من خلال البحث المنهجيّ عن طرق لتحقيق أكبر خير بأوقاتنا وأموالنا المحدودة.

يتطلب  منّا هذا مواجهة بعض القرارات الصعبة بالطّبع. ولكن تذكر، أننا سنتخذ هذه القرارات في جميع الأحوال، إن فكرنا بها أم لا. لذا فعلى الرغم من صعوبة عدم التبرع لأمر يبدو مهمًّا حقًّا -أكان ذلك لأسباب شخصية، أو لأنك مقتنع بحملة تسويقية لعمل خيري آخر- تذكر أنك دائمًا تُفاضل بينه وبين قضايا أخرى جديرة بالاهتمام. 

فيما يلي مثالًا واقعيًّا لهذا. يتبرع الشخص العادي في المملكة المتحدة بحوالي 6,700 جنيه إسترليني (9,600 دولارًا أمريكيًّا)3 على مدار حياته الوظيفيّة. ومن خلال هذه الأموال، يمكننا تمويل توزيع حوالي 1,900 شبكة ناموسية4 (من المحتمل أن تُجنِّب حوالي 200 طفل من الإصابة بمرض الملاريا الخطير للغاية5، وعلى الأغلب ستنقذ  حياة اثنين أو ثلاثة على الأقل). ولكن، تذهب معظم هذه التبرعات الطوعية إلى الجمعيات الخيرية الطبية المحلية6. وتعتبر هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة أن توفير عام واحد من الحياة الصحية مقابل حوالي 25,000 جنيه إسترليني يعد صفقةً رابحة7. ولكن من الصّعب على الجمعيّات المحليّة أن توفّر هذا الرقم، وبالتالي سيكون أثر المتبرع العادي أقل بكثير مما يمكن أن يكون عليه بخلاف ذلك. تذكر أنّه وإن كنّا لا نفكر بمثل هذه الاحتمالات إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّها غير موجودة.  

لذلك يرجى التفكير بعناية حول هذه الأفكار -أهمية الإحسان، والمساواة، وفعل أكبر قدر ممكن بمواردنا الشحيحة- ومعرفة ما إذا كانت منطقية بالنسبة لك.

وإن كانت كذلك، فعند التفكير في المرة القادمة حول كيفية جعل العالم مكانًا أفضل، عبّر عن هذه القيم بالتفكير بفعالية وإحسان أيضًا.


بعض المصادر لمعرفة المزيد عن  الإحسان الفعال:


تطبيقاتٌ عمليّة نرى أنها قد تكون فعّالة للغاية

  • التبرع للمؤسسات الخيرية الموصى بها بناءً على أثرها وفعاليتها من حيث التكلفة - تعرف على توصياتنا لأفضل المؤسسات  الخيرية وتوصيات GiveWell. إذا كنت ترغب في دعم المؤسسات الخيرية التي تزيد من رفاه الحيوانات بفعالية، يمكنك تفقد موقع مُقَيِّمي المؤسسات الخيرية المتعلقة بالحيوان (Animal Charity Evaluators). 
  • تعهد بالاستمرار في التبرع على مدار حياتك - فقد تعّهد 8,438 شخصًا (ويزداد عددهم) بالتبرع بنسبة 10٪ من دخلهم مدى الحياة لأكثر الجمعيات الخيرية فعالية، وقد قدم 798 شخصًا وعودًا بالتبرع بنسبة 1٪ أو أكثر من دخلهم لفترة محددة.
  • اختر مسارًا مهنيًّا ذو أثر كبير حقًّا من خلال قراءة نصائح مهنية من موقع 80,000 ساعة.
  • أنشئ فرعًا أو مجموعة نقاشية في منطقتك المحلية أو جامعتك، وشارك الآخرين في صنع فرق أكبر.


رابط المقالة المترجمة



الهوامش

1. الرقم الذي أدخلته مسبقًا في الآلة الحاسبة (32,140 دولارًا أمريكيًا) هو وسيط الدخل الفردي لشخص يبلغ من العمر 25 عامًا أو أكثر في الولايات المتحدة، ولكن بالطبع يجب عليك استبداله بدخلك وبلدك وتفاصيل منزلك. إليك بعض القيم العامة الأخرى التي يمكنك استخدامها للمقارنة: 24,062 دولارًا أمريكيًا (وسيط الدخل الفردي للأشخاص في الولايات المتحدة فوق سن 18 عامًا)، أو 21,100 جنيهًا إسترلينيًا (وسيط الدخل الفردي للفئة السادسة عشر من سكان المملكة المتحدة)، أو 59,900 دولارًا أستراليًا (وسيط رواتب العمال بدوام كامل في أستراليا).

2.  لقد استخدمت كلمة «الناس» في هذه المقالة للسهولة، ولكن بالطبع إذا كنت مهتمًّا برفاهية الحيوانات، فيمكنك قراءة هذا المقال على أنه موجّهٌ إلى«الحيوانات» أو «الكائنات القادرة على الوعي» وما إلى ذلك - ستبقى جميع الحجج سارية.

3. Charities Aid Foundation, UK Giving 2014, p12 <https://www.cafonline.org/docs/default-source/about-us-publications/caf-ukgiving2014

تُوُصِّل إلى هذه الناتج عن طريق ضرب المبلغ النموذجي المتبّرع به كل شهر (14 جنيهًا إسترلينيًا) في 12 (للحصول على التبرعات السنوية) ثم في 40 (عدد السنوات التي يكون فيها الشخص نشطًا في القوة العاملة عادةً).

4.  هذا باستخدام الرقم البالغ حوالي 5 دولارات للناموسية التي توزعها مؤسسة مكافحة الملاريا، وهو صحيح بالنسبة لمعظم الأماكن التي تعمل فيها. هناك بعض البلدان (مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية) حيث يكون العمل فيها أكثر تكلفة، ولكن حتى في الرقم الأعلى البالغ 7.50 دولارًا للناموسية، فلا يزال بإمكانك توزيع 1,000 ناموسية. 

5.  White, MT. "Costs and cost-effectiveness of malaria control interventions ..." 2011. https://malariajournal.biomedcentral.com/articles/10.1186/1475-2875-10-337

6. Charities Aid Foundation, UK Giving 2014, p14 https://www.cafonline.org/docs/default-source/about-us-publications/caf-ukgiving2014

7.  https://www.nice.org.uk/news/blog/carrying-nice-over-the-threshold

التعليقات